كيف تكتسب الثقة في نفسك؟

كيف تكتسب الثقة في نفسك؟

عوض بن محمد مرضاح

إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وإن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الإخفاق، وكثير من الطاقات أُهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانات أنعم الله بها عليهم لو استغلوها لاستطاعوا بها أن يفعلوا الكثير.

وإليك بعض الخطوات التي يمكن بها التخلص من كثير من الأفكار والمشاعر السلبية في حياتك، سواء كانت في الفكر أو السلوك أو الأخلاق، أو العادات أو الكلمات أو غيرها، لترفعها من على كاهلك، وتحرّر نفسك من وطأتها، وتنطلق بالنفس نحو الحياة بثقة أكبر وآمال مشرقة أوسع:

1- حدّدْ بتجرد وبلا مبالغة أهم الأفكار والصفات السلبية في حياتك.

2- أفردْ كل فكرة أو صفة على حدة.

3- فكّر فيها تفكيراً منطقياً تحليلياً يؤدي إلى معرفتها وذلك بمعرفة أسبابها وحقيقتها، وهل هي واقع حقيقي فعلاً أو وهم وخيال؟

4- إن كانت من الأوهام فحرّر نفسك منها، وإن كانت واقعاً حقيقياً فتخلّص من أسبابها، وقلّصها إلى أدنى قدر ممكن، واعلم أن الصفة كلما كانت أكثر رسوخاً في حياتك كلما كان استبعادها يحتاج إلى جهد أكبر وزمن أطول.

5- اربطْ ذهنك، وفكّرْ بشكل مركز، وليكن في لحظات صفاء وبعيداً عن الشواغل والقلق بموقف إيجابي مهم في حياتك، مستعيداً كل تفاصيله: من صوت وصورة ومشاعر وأجواء محيطة، فإذا بلغت الذروة من النشاط الذهني والارتياح النفسي والانشراح القلبي، وغبت عن واقعك، أو كدت فحرك شيئاً من جوارحك أو تذكر يوم زواجك أو ليلة قمتها لله أو سماعك خبراً ساراً للمسلمين، أو أول يوم رأيت فيه أحد الحرمين أو نحو ذلك.

6- كرّرْ ذلك مرات، ومرات حتى يرتبط هذا الموقف الإيجابي بكل مشاعره وتداعياته النفسية والشعورية بهذه الحركة آلياً؛ فبمجرد صدور هذه الحركة منك تنتقل آلياً إلى تلك الحالة النفسية الإيجابية العالية، وإن لم تتذكر الموقف المادي الذي كان سبباً لها.

7- إذا وردت عليك أي من تلك المشاعر أو الأفكار السلبية في أي موقف فما عليك إلا أن تغمض عينيك قليلاً، وتخرج من تلك الأفكار، ثم تتخيل أمامك لوحة كُتب عليها بخط بارز ولون صارخ كلمة (قف)!

8- تأمّل هذه الكلمة بعض الوقت، وكرر النظر فيها مرة بعد أخرى حتى كأنك لم تعد ترى غيرها.

9- تجاوزها بنظرك متخيلاً وراءها حدائق غناء وأنهاراً جارية وطيوراً مغردة ونسيماً من الهواء عليلاً، وتمتع به قليلاً. كل ذلك وأنت مغمض لعينيك.

10- انتقل إلى المثير الإيجابي، وحرك الجارحة التي أصبحت مفتاحاً له كما في الفقرة رقم (5)، واستغرق فيه قليلاً حتى تتبدل حالتك النفسية، وتختفي مشاعرك السلبية تاماً.

11- عدْ للتفكير فيما كنت فيه من شأن ومن عمل.

12- إذا عادت الأفكار السلبية للإلحاح مرة أخرى، فتوقفْ عن العمل تماماً في هذه اللحظات، وعشْ فقط في ذكريات الحالة الإيجابية.

13- لا تنسَ اللجوء إلى الله ابتداء ونهاية؛ لأنه هو الذي أضحك وأبكى، فبالتوبة والاستغفار ودوام ذكر الله تحيا القلوب ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .

* المستشار المدرب والمحترف لتطوير الذات

الشخصيّة المتطوّرة..منافع تتعدّى الذات

الشخصيّة المتطوّرة..منافع تتعدّى الذات

الخميس 13 ربيع الثاني 1427

صالح الشمري

إنْ وقفت لحظة تأمّل مع النفس، وقلّبت الفكر في أحوال الناس تتراءى لك بعض الشخصيّات التي تغيّرت أحوالها للأفضل بشكل واضح، وقد يكون أحدها ممن تعرفه في وقت سابق، ولم تكن تلك حاله، ثم هو الآن شخصية مختلفة تماماً. ألم تسأل نفسك: ما الذي غيّر في شخصيته حتى وصل إلى هذا المستوى من التقدم سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو العملي؟ كل ما هنالك أن هذا الفرد قد سبقك بالتفكير في أمر محدّد وهو تطوير الذات، ثم هو عزم وقرّر بأن يطوّر نفسه، وبالفعل بدأ يخطو فعلياً بهدفه حتى وصل إلى ما وصل إليه بل إن حصل وابتعدت عن هذا الشخص فترة من الزمن، ثم شاء القدر وجمعك به حتماً فإنك لن تجده على تلك الحال التي تركته فيها.

من نعم الله -عز وجل- أن من طبيعة البشر القابليّة للتغيير، وهي سلاح ذو حدين؛ فقد يكون تغيّرك للأفضل كما هو مطلوب منك، أو يصل بك الحال أقل كثيراً مما كنت تطمح إليه! وحاشانا أن ندعوك لذلك؛ فقط أردت أن ألفت نظرك إلى هذه النقطة. فأهمية تطوير الذات تنبع من أننا -أفراداً وجماعاتٍ- كثيراً ما نمارس أنشطة مختلفة، وفي بيئات متباينة وهذا يتطلب منا أن نكون على قدر يساوي تلك الأنشطة التي نحتكّ بها فإن لم يكن الفرد منا ذو شخصيّة متطوّرة ومتجدّدة فلن ننجح في تحقيق مصالحنا (ذواتنا)، وبالتالي فإن الفرص التي تسنح لنا في التقدم ستكون على قدر ما نحن فيه من تطوير، دعني أضرب لك بعض الأمثلة لأقرب لك المفهوم ولتدرك ما أقول..

1- على مستوى الأسرة ..هبْ أنك ممن نشأ في بيئة ذات مستوى ثقافي متواضع تفتقد لتلك المهارات التربوية المتعلقة بالتعامل مع المراهقين، وكنت ممن واجه بعض الصراعات الخاصة بتلك المرحلة، فإن النتيجة في الغالب أنك ستعاني حتى بعد تجاوزك المراهقة من بعض ما قد بنيته من قناعات في ظل غياب التوجيه الواعي والسديد..ترى ألا تعتقد لو طوّر أحد والديك ذاته في النواحي التربويّة، أنه كان سيأخذ بيدك، ويقوم بتعريفك بما تمرّ به في هذه الفترة من العمر، ويأخذ في توجيهك حتى تصبح تلك السلوكيات مجرّد ظواهر عابرة مرت في حياتك، واستطعت تجاوزها دون أدنى تأثير على حياتك.

2- على المستوى العملي .. أُعلن عن فرصة عمل ذات امتيازات متعددة، وتقدمت أنت ومجموعة كانت معك؛ ولأنك ممن أدرك جيداً أهمية التطوير الشخصي كنت أكثر المتقدمين حصولاً على الشهادات والخبرات وذلك جراء مشاركتك في العديد من الدورات، وورش العمل والتي أكسبتك بعض المهارات الإدارية، وبعد المقابلة تم اختيارك من بين جميع المتقدمين لتعيينك فوراً في الشركة. هل ترى بأن حالك ستكون هي نفس الحال، وأنت لا تحمل معك من الأوراق سوى الشهادات الدراسيّة؟

ما أودّ قوله: إن الشخصية المتطورة لا يقتصر نفعها على ذاتها فقط بل هو أبعد من ذلك ليصل إلى المجتمع الذي هوجزء منه. إن عملية تطوير الذات لكونها تحدث تغييراً في شخصية الفرد تواجه -كغيرها من عمليات التغيير- جانباً من العقبات كالسلبيّة مثلاً التي قد تواجهها من بعض الناس متمثلة في التثبيط وعدم التشجيع، وهي عقبة كؤود غالباً ما تقف حائلاً دون تقدّمك ونجاحك، وكذلك الانشغالات في دوامّة الحياة مع عدم توفّر المال. أيضاً الركون للكسل والدعة مع انعدام الحافز والدافع، وأخيراً وليس آخراً التسويف(عدو المشروعات الطموحة). هذه بعض العقبات وليست كلها، تلك التي تواجه بعض الناس عند القيام بعملية التطوير، وإليك الآن شيئاً من الطرق والوسائل السريعة التي ستعينك -بإذن الله- على المضيّ قدماً في مشروعك التطويري الواعد وهي على النحو التالي:

1- أخلص نيتك لله بأن تكون أعمالك مما تنفع بها أمتك ومجتمعك المسلم، وأن تكون لبنة في بناء هذا الصرح الشامخ.

2- أحسن الظن بنفسك، وثقْ جيداً أن ما سيصدر منك من الخير أكثر وأعظم مما تظن.

3- داوم على عادة القراءة لأنها من عادات الناجحين في الحياة، وعليك بالقراءة المتخصصة في الباب الذي تجيده وتحسنه، وفي كل مرة زدْ من قدر الوقت الذي تقضيه بها أكثر مما كنت تقضيه في السابق.

4- احرصْ على الخُلطة بالناجحين والمتميّزين من الناس، ثم كوّن صداقاتك وعلاقاتك مع معظمهم، واجعل هدفك هو أن تتقدم باستمرار، واعلم أن القاعدة تقول: (خالط الناس الذين يعينونك على تحقيق أهدافك).

5- ابتعد عن السلبيّين وأصحاب الهمم المتدنّية، ولا تكثر الجلوس معهم أو الاستماع لآرائهم.

6- خصّص جزءاً من الوقت والمال لعملية التطوير وتذكر: قليل دائم خير من كثير منقطع.

7- تأمّل جيداً الفرص التي تعود عليك جرّاء عملية التطوير سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، واجعل ذلك حافزاً لك على الاستمرار والمواصلة.

8- لا تسوّف كثيراً في مشروعك التطويري وإن طال بك المقام وأنت تسوف فابدأ بأي حال؛ فإن الاستمرار في ذلك لا يدعك تبدأ مطلقاً وتذكّر: مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

أخيراً اعلم بأن الدراسات العلميّة تؤكد بأن العقل البشري لم يخرج من طاقته المخبوءة سوى10% فقط رغم كل ما تراه، وأن 90% مازالت مطمورة بانتظار من يخرجها ومن يدري.. فلعل ما تقرؤه يكون نقطة التحوّل في حياتك للأفضل بإذن الله..

* خبير تطوير إداري وتنمية بشرية.

قواعد في تنمية الذات

قواعد في تنمية الذات

إسماعيل رفندي

لكل إنسان طموح، وطموحُ الإنسان الإيجابي التنمية المستمرَّة؛ حيث يبدأ بذاته ولا ينتهي منها، لأنها ترسخ في "لا شعوره" أنَّ التغيير يبدأ من الإنسان وبتغيّره يتغيَّر كل شيء.

لذا فإنَّ المرء إذا أدرك ذلك فلا توقفه العوائق, ولا تقدِّمه في مراحل العمر, ولا انعكاسات الواقع، ويعمل ليل نهار لتطبيق القواعد لتنمية ذاته, وإيقاظ هِمَّته, وتوظيف طاقاته، حتى يصبح رمزًا للإيجابية, وكتلة من الإنتاجية, وذلك باتِّباع القواعد التالية:

• افتخر بإيجابياتك مع تجنُّب كل معانِي الغرور، وسجّل إنجازاتك على صفحات قلبك, وتفكَّر فيها عند مواطن الضعف وأمام التحديات.

• املأ فراغك بالخير, والتَزِمْ ببرنامج متوازنٍ, ولا تَنْسَ مصاحبة الخيّرين من بني جلدتك، وخالط باستمرار مَن يُحِبُّونك ويساهمون في تطويرك.

• من الضروري أن تُحب نفسك ولكن بعيدًا عن آفة العُجب، واحترم ذاتك ولكن على أن لا تنسى قواعد التواضع وخفض الجناح.

• عبِّر عما في باطنك, ولكن وفق خطوات مدروسة, وإيّاك أن تقع في شباك الانفعال و التحامل.

• اشكر مَن أحسنَ إليك, وقدّر من أثنى عليك، ولكن لا تخادع بعدم معرفتك لذاتك، ولا تتغنَّى مع أنغام المديح.

• ليكن اكتشافك لذاتك من أكبر مشاريع حياتك؛ لأنك بذلك تعرف مدى صلاحيتك, هل أنت على مستوى الأداء أم لا.

• حصّن ذهنك من الأفكار السلبية, وقاوِم الموجات السوداوية, وإياك أن تستقبل رسائل ليست في صالحك.

• إنَّ الله سبحانه وتعالى أكرمنا منذ أن خلقنا, وأكد في محكم تنزيله أنه أكرمنا, فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} فلا تتنازل عن هذا التكريم بعقدة النقص, وضعف الثقة بالنفس, وعدم معرفة الواجب.

• ليكن عتابك لذاتك مراجعة لها لا إحباطًا ولومًا، تصحيحًا لا هزيمة، ولا تتقمص في لباس (أنا لست في المستوى المطلوب).

• تأجيل الأعمال شيء طبيعي إذا كان مدروسًا أو ضمن مرونة الخطة، أما إذا كان كسلًا أو عشوائيًا أو وقعت في شباك اللامبالاة فالحَذَرَ الحذر؛ لأنك بذلك ستخسر نفسك و الواجب معًا.

• عند كل صباح أنوي على أن تعيش باستقامة؛ لأنها منبع الكرامة، فإذا وقعت نفسك في خطأ فأسرع في مراجعتها بتوبة نصوحة.

• من الضروري أن تستفيد من تجارب الآخرين نجاحًا وفشلاً، نجاحًا للاقتداء وفشلاً للاتقاء، ولكن لا تنس أن عندك تجارب ذاتية, فاغتنمها, وأعدها, وكررها إذا كان يسرك.

• اجعل ما تقوم به من الأعمال والواجبات صغيرًا كان أو كبيرًا وفي أي مجال كان، من ضمن حساباتك، لذا لا تَسْتَهِن بابتسامة, أو إلقاء محاضرة, ولا تستخف بجلسة استرخاء, أو مكافأة الذات بسفرة سياحية.

• اعلم أنه ليس بإمكان أحد أن يدخل في أغوار باطنك عقلًا, ونفسًا, وروحًا, دون موافقتك، دائمًا راجع جهاز الاستقبال عندك، ومدى تدقيقه في اختيار الأمور, ومدى دقته في التوافق مع الرغبات.

• إنَّ الخطأ هو أن لا تبدأ, وليس أن لا تخطأ؛ لأن الإبداع لا يأتي دون تجارب فاشلة، فلا تجعل في قاموسك كلمة اسمها فشل, ولكن هو التواصل ومحطة من محطات المراجعة.

• اقرأ هذه القواعد كل أسبوع مرة واحدة وفي أنشط أوقاتك، ولا تتركها في صفحات حساباتك النظرية، فلا يأتي الإنتاج إلا بالإتباع.

غيِّر تفكيرك تتغيرْ لك الحياة

غيِّر تفكيرك تتغيرْ لك الحياة

السبت 22 صفر 1431 الموافق 06 فبراير 2010

د. محمد فتحي

أفكارُك هي البذور التي تنمو منها حياتك.. تلك هي البداية، أفكارك هي الأساس الذي به يمكنك أن تغيِّر حياتك سواء للأحسن أو للأسوأ، وللوصول للأحسن في أي شيء يجب أن تفكِّرَ بما يسعدك ويسعد الناس معًا، وهذا لن يحدث إلا باستخدام الذكاء العاطفي.

يقول أبو الحسن الندوى: "إن الإنسان ليس عقلًا مجردًا ولا كائنًا جامدًا يخضع لقانون أو إدارة قاصرة، ولا جهازًا حديديًّا يتحرك ويسير تحت قانون معلوم أو على خطٍّ مرسوم، إن الإنسان عقلٌ وقلب وإيمان وعاطفة وطاعة وخضوع وهيام وولع، وحب وحنان، وفي ذلك سر عظمته وشرفه وكرامته، وفي ذلك سر قوته وعبقريته وإبداعِه وسرُّ تفانيه وتضحيته، وبذلك استطاع أن يتغلب على كل معضلة ومشكلة، وأن يصنع العجائب والخوارق، واستحقَّ أن يتحمل أمانة الله التي اعتذرت عنها السماوات والأرض والجبال فأبَيْن أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان ووصل إلى ما لم يصل إليه ملك مقرَّب ولا حيوان ولا نبات ولا جماد.

إن صلة هذا الإنسان بربه ليست صلة قانونية عقلية فحسب يقوم بواجباته ويدفع ضرائبه ويخضع أمامه ويطيع أوامره وأحكامه، إنما هي صلة حب وعاطفة كذلك، صلة لا بد أن ترافقها ويقترن بها ويتحكم فيها في حنان وشوق وهيام ولوعة، وتفانٍ وتهالك، والدين لا يمنع من ذلك بل يدعو إليه ويغذيه ويقويه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) [البقرة: 165].

إذَن هي العاطفة والعاطفة الذكية

والعاطفة هي: الاستعداد النفسي الذي ينزع بصاحبه إلى الشعور بانفعالات معينة تجاه شخص أو شيءٍ أو فكرة.

والذكاء العاطفي: هو القدرات والمهارات في التعرف على مشاعرنا الذاتية ومشاعر الآخرين لنكون أكثر تحكمًا، وقدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه والآخرين، وهو: الاستخدام الذكي للعواطف؛ فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكِه وتفكيرِه بطرق ووسائل تزيد من فرصة نجاحِه في العمل والبيت وفي الحياة بصورة عامة، وعواطفُنا هذه تنبع من أربعة أسس:

الأول: القدرة على الفهم والتقدير الدقيق والتعبير عن العاطفة فلا نبقى عبيدًا للمشاعر.

الثاني: القدرة على توليد المشاعر حسب الطلب عندما تسهِّل فهم الشخص لنفسه أو لشخص آخر.

الثالث: القدرة على فهم العواطف والمعرفة التي تنتج عنها.

الرابع: القدرة على تنظيم العواطف لتطوير النمو العاطفي والفكري.

هذه الأسس الأربعة تساعد على تطوير المهارات المعنية التي تشكِّل معًا ما يسمي بالذكاء العاطفي، فهو ينمو ويتطور بالتعلم والمِرَان على المهارات والقدرات التي يتشكَّل منها.

إذن هو: يجمع بين المنطق والعواطف في حل المشكلات، يساعد على زيادة المرونة والتأقلم مع المتغيرات، يتجاوب بلطف مع الأشخاص الذين يصعب التعامل معهم.

إذن هو: التعرف على المشاعر وتوظيفها بطريقة إيجابية، أي تضع يدك على مشاعرك وتضع لها عقلًا.

ولكن السؤال: لماذا مطلوب أن أكون صاحب ذكاء عاطفي؟

مطلوب حتى تجيد التعامل مع الآخرين، تنسجم عواطفك ومبادئك وقيمك معًا فتشعر بالرضا، حتى تتخذ قراراتك الحياتية بطريقة أفضل وتحظى بصحة جسدية ونفسية سليمة وتحفز نفسك لعمل ما تريد، وتكون أكثر فعاليةً من خلال فريق وتمتلك حياة زوجية أكثر سعادة وتكون مربيًا ناجحًا ومؤثرًا في أسرتك، وتحصل على معاملة أكثر احترامًا، وتكون أكثر إقناعًا وتأثيرًا في الآخرين، وفي النهاية تحقِّق السعادة لنفسك وتنجح وظيفيًّا.

فالشخص الذي يتمتع بالذكاء العاطِفِي يغضبُ وينفعل مثلَه مثل غيرِه، ولكن كل انفعال يأخذ وقته، فهو على الرغم من كونه حساسًا جدًّا، إلا أن كل موقف لديه يأخذ وقته، فلديه القدرة على تحويل ذهنِه سريعًا للسعادة الإيجابية.

– فالمدير الذي يتمتع بذكاء عاطفي لديه القدرة على توفير مناخ عمل ممتاز مليء بالإنتاج ومتاح به حرية الابتكار والتغيير، لديه قدرة على الابتسامة الصافية النقية التي تلغي الكثير من المعوِّقات.

– والزوج/ والزوجة اللذان لديهما الذكاء العاطفي لديهما القدرة على إدارة البيت والحياة داخله بكل مشكلاتها ومنغصاتها بقدر كبير من السلاسة والمرونة، على الرغم من وجود خلافات وبعض المشاحنات اليومية مع كل من في البيت ولكن في النهاية البيت سعيد.

– والشخص الذي يسير في الشارع وحدثت له حادثة بسيارته مع غيره ولديه الذكاء العاطفي ستكون لديه القدرةُ على امتصاص غضب المشكلة بدلًا من السبِّ واللعن والضرب، ثم في النهاية يعتذرون لبعضِهم البعض أو يلجئون للشرطة للعناد وغير ذلك الكثير، أليس هذا حسنًا وإجادة تعامل مع الآخرين وسعادة للنفس؟!

– صاحب الذكاء العاطفي استدعى المشاعر المناسبة بالقدر المناسب مع الشخص المناسب فكانت إدارة مثالية للمشاعر.

– صاحب الذكاء العاطفي استخدم المكونات الثلاث للإنسان وهي: (العقل والمشاعر والمهارات) ووظفها جيدًا حتى حظِيَ بما يريد.

– صاحب الذكاء العاطفي هنا:

إن كان رجلًا ستجده: متوازنًا اجتماعيًّا، صريحًا، مرحًا، لا يميل إلى الاستغراق في القلَق، ملتزمًا بقضايا الآخرين وصاحب علاقات قوية بهم، صاحب أخلاق، راضيًا عن نفسه والآخرين والمجتمع بشكلٍ كبير.

وإن كانت امرأةً ستجدها: حاسمة، تعبِّر عن مشاعرها بصورة مباشرة، الحياة عندها لها معنى، تندم إن مرت بلحظة غضب دون مبرر، تتكيف مع الضغوط النفسية دون استسلام لها، متوازنة اجتماعيًّا، تشعر بالراحة عند المرح والمزاح، تلقائية، منفتحة على غيرها من النساء.

والإسلام هو أساس الذكاء العاطفي الفطري؛ فالإسلام بتعاليمِه وتصوراتِه الواضحة للعقل والقلب، والتي تنمِّي كل أركان الذكاء العاطفي بدون جهدٍ يُذكر من الشخص إلا الالتزام بتعاليمه عزَّ وجل وسنة رسوله.

إنه الإسلام الذي ينقِّي الشخصيةَ من السلبية وعدم الثقة بالنفس ويهدئُ من روعِ المسلم ويأمره بعدم الغضب والانفعال، ويأمرُه بالعطف على الجميع حتى الحيوان والجماد، إنه الإسلام الذي يأمر بحسن الخلق مع الغير وانتقاء أفضل الكلمات في التعامل مع الآخرين.

ويبدأ الإسلام في تكوين المسلم للذكاء العاطفي بخطوات متتالية هي:

1- الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30]، والاستقامة على قوله: "ربنا الله" الاستقامة عليها بحقِّها وحقيقتها، الاستقامة عليها شعورًا في الضمير وسلوكًا في الحياة، الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها "ولا تخافوا" لا تحزنوا ومن ثم البشرى.

وكيف أتذوق طعم الإيمان؟ قال الرسول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا" إذن سيحدث الصبر وعدم اليأس والشعور بالأُنْس والطمأنينة وعدم الخوف.

2- إدراك الحياة لله: من أول وأهم مكونات الذكاء العاطفي إدراك الذات أن يعرف الإنسان من هو، وما هي غايته، وما هي مبادئه وقِيَمُه، وأهدافه الواضحة، تجد الإسلام يحدِّد لك الطريق ببساطة: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162]، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] إنها الغاية الواحدة الجلية التي يعيش المسلم من أجلِهَا.

3- فهم معنى التكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70].

4- العلم والتعلم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9]، منع سبحانه وتعالى المساواة بين العالم والجاهل، وقوله: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ) [النمل: 40]، أي أنه اقتدر بقوة العلم ويقول الرسول:"… وإنما العلم بالتعلم"، ويقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "الناس أبناء ما يحسِنون".

5- الحِلم: يقول عز وجل: (… وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران: 79]، وقيل في قوله "ربانيين" أي: حلماء علماء، وقال ابن عباس: حلماء فقهاء، ويقول تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا) [الفرقان: 63]، قال الحسن: حلماء وإن جهل عليهم لم يجهلوا، وقال عطاء بن أبي رباح: (يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان: 63]، أي: حُلماء.

6- حسن الخلق: فهذا ثناء على النبي من الله عز وجل فيقول: " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" [القلم: 4]، ويأمُرُه بمحاسن الأخلاق فيقول: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت: 34]، ويقول: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" [آل عمران: 159]، ويقول النبي: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا".

7- الرحمة: يقول تعالى: "ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ" [البلد: 17].

ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" ويقول أيضًا: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" إلى غير ذلك من الصفات الأساسية للمسلم في حياته الدنيوية ليحيا فيها بسعادة، وفي الأخروية لينعم بالجنة، عندها سيعيش المؤمن لله في كل حركة من حركاته وفي كل سكنة من سكناته فيهون عليه ما يلقاه في سبيل الله من تعَبٍ وألم؛ بل يصبح التعب راحةً والألم لذة فهو يحب الله عز وجل، فهذا "جلال الدين الرومي" يوضحُه بقوله: "شعلة الحب لله تعالى إذا التهبت أحرقتْ كل ما سواها، فلا كبر ولا خُيَلاء ولا جبن ولا خوف ولا حزن ولا حسد ولا بخل ولا عيب من العيوب النفسية".

نعم إذا ما آمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا.

نعم إذا ما عرف رسالته في الحياة وعاش بكرامة دون ذل أو إسفاف.

نعم إذا تعلم وعلم وكان حليمًا رحيمًا حسن الخلق وكان خاليًا من العيوب النفسية.

فلا خجل ولا قلق ولا غضب ولا غلظة، بل ثقة في النفس وهدوء واطمئنان وصبر على الجاهلين ورحمة وتعاطف وشفقة عليهم ولا كآبة ولا إحباط ولا سلبية، ولكن تفاؤل وإيجابية وتقدير للأمور التقدير الصحيح، ولا إلقاء بالكلمات كالحجارة، بل انتقاء لأحسن الكلام وأطيبه لمعالجة المواقف الصعبة.

ولذا كان الرسول وصحابته ومن اقتدى به سائرين على نهج الذكاء العاطفي الفطري.

فهذا الرسول بقدوته وبمواقِفِه التي عليك إن اقتديت بها ستسهل عليك وصولك إلى خطة مهارات الوصول للذكاء العاطفي، انظر إلى موقفه مع:

– أبي سفيان عند فتح مكة وأسلم فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحبُّ الفخر فاجعل له شيئًا قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه دارَه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن" أليس هذه هي النفس البشرية وما ترغب فيه أحيانًا أعطاها له الرسول، وحين مرَّ أبو سفيان بسعد بن عبادة قال له الأخير: "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة" فاشتكى أبو سفيان للنبي، ماذا قال له الرسول؟ قال: "كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تُكسَى فيه الكعبة" انظر كيف اختار النبي الكلماتِ الملائمةَ للموقف، أليس أبو سفيان شيخ قريش وكبيرهم؟ أليس هذا من حسن انتقاء الكلمات والدبلوماسية في زيادة أواصِر ومتانة العلاقات؟

– ومع مهاجري الحبشة، ظنوا أنهم أقل قدرًا من غيرِهم، سنون طويلة بلغت إحدى أو بضعة عشر عامًا نزل فيها قرآن كثير ودارت معارك شتَّى مع الكفار، ولذا يقول عمر بن الخطاب لأسماء بنت عُمَيْس: "سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم"، فغضبت وذكرت للرسول ما قالَه، ماذا قال لها؟ "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم- أهل السفينة- هجرتان" إنها الكلمات المنتقاة التي تنقذ المواقف وتنفذ إلى القلوب نفاذ السهم الذي يعرف طريقَه جيدًا فيذوب القلب وصاحبه وينصهر حبًّا فيمن أمامه بسبب كلماتٍ قليلة.

– وفي المرح والفرح، فتجده يداعِب زاهر الأسلمي وكان صديقًا له فاحتضنه من خلفِه وبدأ يعلن عليه بالمزاد: "من يشتري العبد، من يشتري العبد؟ "فالتفت فرأى النبي فطفِقَ يلصق ظهره بالنبي ويقول: "إذًا والله تجدني كاسدًا"، قال: "لكن عند الله لست بكاسد"، ويتسابق مع السيدة عائشة وهم في غزوة فسبقته مرةً وسبقها أخرى فيقول: "هذه بتلك"، وفي التعاطف حتى مع الأطفال، فهذا أبو عمير أخو أنس كان معه عصفور يلعب به فرأى النبي هذا الطفل واندماجه مع هذا الطائر وشغفه به وولعه باللعب معه، فيأتي إليه النبي يومًا من الأيام وهو حزين لموت هذا الطائر فيسأله النبي فيقول: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟" هذا القلب الكبير المشحون بالقضايا العظيمة والمهمَّة والضخمة لم يمنعْه ذلك من أن يجد مكانًا في قلبه لطفل صغير مهموم يلعب مع عصفور فسأله عنه ويبادله الأحزان لموته.

وهذا عمر بن الخطاب الخليفة مع أم عمارة – رضي الله عنهما – هي التي قتلت مسيلمة الكذاب في حروب الردة يوم اليمامة وإذا يجيء أحد المرتدين ويضربها ضربة يطير ذراعها في سبيل الله، فلما عادت إلى المدينة مقطوعةَ الذراع أحست بحرَجٍ شديد وأصبحت لا تلبي دعوة من يدعوها إلى طعام أبدًا؛ وعرف عمر بن الخطاب بالأمر وبهذا الشعور المترف لديها، فوقف على المنبر يومًا وقال: أيها الناس أين أم عمارة؟ فصاحت من آخر المسجد: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا أم عمارة لعلك تخجلين من ذراعك المقطوع، يا أم عمارة أبشري، شيء منك سبقك إلى الجنة، فسمع المسجد كله تكبير المرأة: الله أكبر، اليوم آتي على النساء بذراعي المقطوع".

هذا أمير المؤمنين يراعي شعور سيدة فقدت ذراعها في معركة، يتعاطف معها، ويحفزها على استكمال مسيرة حياتها الطيبة الطاهرة، يحيي فيها ما قامت به، بل ويثني على ما فقدته من جسدها ويحفزها إيجابيًّا بدلًا من إحساسها بما فقدته سلبيًّا

– سَبَّ رجل ابن عباس -رضي الله عنهما- فلما فرغ قال: يا عكرمة هل للرجل حاجة فتقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى، وقال رجل لضرار بن القعقاع: والله لو قلتَ واحدة لسمعت عشرًا، فقال له ضرار: والله لو قلتَ عشرًا لم تسمع واحدة.

ألا تستطيع أن تملك نفسَك وتضبطها كما يفعل هؤلاء؟

إن استطعت كنت من النجوم وفهمت المعنيَّ.

– المؤمن لا يعرف القعود واللوم وانتظار الحلول، بل يتحرك لإيجاد الحلول وصنع الفرص، وهو الذي يوجه الحياة ويقودها، وفي هذا يقول محمد إقبال: "على المؤمن أن يربيَ في نفسه الروح وينشئ في هيكله الحياة، ثم يحرق هذا العالم بحرارة إيمانِه ووهج حياته وينشئ عالمًا جديدًا".

– إن الإيمان لا يمكن أن يجتمع في قلبٍ واحد مع السلبية والاستسلام والبلادة والقعود.

بداية التغيير فعلًا تكون في النفس كما قال تعالى: "إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: 11].

إن السعادة والتغيير والوصول إلى المبتغى المنشود تبدأ من نفسِك ومن داخلك وكن أنت القدوة العملية، وحول ما وجدته على الأوراق إلى سلوك عملي يتبعك فيه خلق من الناس كما قال الشاعر:

سِرْ في الأنام ولا تقف مترددًا

فالناس تتبع إن صدقت خطاكَ

لا تعتزل دنيا الأنام ترفعًا

بل فارفع الدنيا إلى علياك

إن المبادئ لا تعيش بفكرة

من كاتبٍ فوق السطور يفند

لكنها تحيا بعزمة صادق

في صدره موج العقيدة يزبد

pullo galgani _ b sombo

معركة الإسلام على مدى التاريخ

معركة الإسلام على مدى التاريخسيد قطبالطريق إلى اللهرابطمراجعبريد إلكترونيطباعةالمفضلةإضافة هذه الصفحةإن المعركة الطويلة الأمد لم تكن بين الإسلام والشرك بقدر ما كانت بين الإسلام وأهل الكتاب من اليهود والنصارى. ولكن هذا لا ينفي أن موقف المشركين من المسلمين كان دائما هو الذي بصورة هذه الآيات: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [سورة التوبة: 8-10].لقد كان هذا هو الموقف الدائم للمشركين وأهل الكتاب من المسلمين، وسنتكلم أولا عن المشركين ثم عن أهل الكتاب:وإذا نحن اعتبرنا أن الإسلام لم يبدأ برسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – إنما ختم بهذه الرسالة، وأن موقف المشركين من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنما يمثل موقف الشرك من دين الله على الإطلاق، فإن أبعاد المعركة تترامى، ويتجلى الموقف على حقيقته، كما تصوره تلك النصوص القرآنية الخالدة، على مدار التاريخ البشري كله بلا استثناء!.ماذا صنع المشركون مع نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وشعيب، وموسى، عليهم صلوات الله وسلامة والمؤمنين بهم في زمانهم؟ ثم ماذا صنع المشركون مع محمد – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين به كذلك؟ .. إنهم لم يرقبوا فيهم إلاٍ ولا ذمة متى ظهروا عليهم وتمكنوا منهم..وماذا صنع المشركون بالمسلمين أيام الغزو الثاني للشرك على أيدي التتار؟، ثم ماذا يصنع المشركون والملحدون اليوم بعد أربعة عشر قرنا بالمسلمين في كل مكان؟،.. إنهم لا يرقبون فيهم إلاٍ ولا ذمة، كما يقرر النص القرآني الخالد..عندما ظهر الوثنيون التتار على المسلمين في بغداد وقعت المأساة الدامية التي سجلتها الروايات التاريخية والتي نكتفي فيها بمقتطفات سريعة من تاريخ أبي الفداء (ابن كثير) المسمى (البداية والنهاية) فيما رواه من أحداث عام 656هـ:”ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان. ودخل كثير من الناس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أيام لا يظهرون. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسلحة حتى ترى الميازيب من الدماء في الأزقة فإنا لله و إنا له راجعون – كذلك في المساجد والجوامع والربط. ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار اخذوا أمانا بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم.وعادت بغداد بعدما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب، ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة.. وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الموقعة. فقيل ثمانمائة ألف. وقيل ألف ألف، وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس – فإنا لله و إنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوما.. وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر، وعفي قبره وكان عمره يومئذ ستا وأربعين سنة وأربعة أشهر ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام.. وقتل معه ولده الأكبر أبو العباس أحمد، وله خمس وعشرون سنة. ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن وله ثلاث وعشرون سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم.. وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وكان عدو الوزير، وقتل أولاده الثلاثة: عبدا لله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحد بعد واحد. منهم الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.. وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب إلى مقبرة الخلال، تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.. وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي ابن النيار. وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن. وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد..”. “ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما، بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون. فإنا لله و إنا إليه راجعون..”. “ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقني والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضا، فلا يعرف الوالد ولده، والأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد، فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى..”.هذه صورة من الواقع التاريخي، حينما ظهر المشركون على المسلمين فلم يرقبوا فيهم إلاٍ ولا ذمة. فهل كانت صورة تاريخية من الماضي البعيد الموغل في الظلمات، اختص بها التتار في ذلك الزمان؟ كلا… إن الواقع التاريخي الحديث لا تختلف صورة عن هذه الصور!.. إن ما وقع من الوثنين الهنود عند انفصال باكستان لا يقل شناعة ولا بشاعة عما وقع من التتار في ذلك الزمان البعيد.. إن ثمانية ملايين من المهاجرين المسلمين من الهند -ممن أفزعتهم الهجمات البربرية المتوحشة على المسلمين الباقين في الهند فأثروا الهجرة على البقاء – قد وصل منهم إلى أطراف باكستان ثلاثة ملايين فقط!!أما الملايين الخمسة الباقية فقد قضوا في الطريق.. طلعت عليهم العصابات الهندية المنظمة المعروفة للدولة الهندية جيدا والتي يهيمن عليها ناس من الكبار في الحكومة الهندية، فذبحتهم كالخراف على طول الطريق، وتركت جثثهم نهبا للطير والوحش بعد التمثيل بها ببشاعة منكرة لا تقل – إن لم تزد – على ما صنعه التتار بالمسلمين من أهل بغداد!..أما المأساة البشعة المروعة المنظمة فكانت في ركاب القطار الذي نقل الموظفين المسلمين في أنحاء الهند إلى باكستان، حيث تم الإنفاق على هجرة من يريد الهجرة من الموظفين المسلمين في دوائر الهند إلى باكستان، واجتمع في هذا القطار خمسون ألف موظف.. ودخل القطار بالخمسين ألف موظف في نفق بين الحدود الهندية الباكستانية.. وخرج من الناحية الأخرى وليس به إلا أشلاء ممزقة متناثرة في القطار!!لقد أوقفت العصابات الهندية الوثنية المدربة الموجهة القطار في النفق، ولم تسمح له بالمضي في طريقة إلا بعد أن تحول الخمسون ألف موظف إلى أشلاء ودماء!. وصدق قول الله سبحانه: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّة}.. وما تزال هذه المذابح تتكرر في صور شتى حتى الآن..ثم ماذا فعل خلفاء التتار في الصين الشيوعية وروسيا الشيوعية بالمسلمين هناك؟،.. لقد أبادوا من المسلمين في خلال ربع قرن ستة وعشرين مليونا.. بمعدل مليون في السنة.. وما تزال عمليات الإبادة ماضية في الطريق.. ذلك غير وسائل التعذيب الجهنمية التي تقشعر لهولها الأبدان. لقد جيء بأحد الزعماء المسلمين، فحفرت له حفرة في الطريق العام، وكلف المسلمون تحت وطأة التعذيب والإرهاب، أن يأتوا بفضلاتهم الآدمية – التي تتسلمها الدولة من الأهالي جميعا لتستخدمها في السماد مقابل ما تصرفه لهم من الطعام!!- فيلقوها على الزعيم المسلم في حفرته.. وظلت العملية ثلاثة أيام والرجل يختنق في الحفرة على هذا النحو حتى مات!. كذلك فعلت يوغوسلافيا بالمسلمين فيها. حتى أبادت منهم مليونا منذ الفترة التي صارت فيها شيوعية بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، وما تزال عمليات الإبادة والتعذيب الوحشي – التي من أمثلتها البشعة إلقاء المسلمين في (مفارم) اللحوم التي تصنع لحوم (البولوبيف) ليخرجوا من الناحية الأخرى عجيبة من اللحم والعظام والدماء – ماضية إلى الآن!!.وما يجري في يوغوسلافيا يجري في جميع الدول الشيوعية والوثنية.. الآن.. في هذا الزمان.. ويصدق قول الله سبحانه: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً}، {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}.. هذا ما كان من شأن الوثنين حينما ظهروا على المسلمين، فماذا كان من شأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟ فأما اليهود فقد تحدثت شتى سور القرآن عن مواقفهم وأفاعيلهم وكيدهم وحربهم، وقد وعى التاريخ من ذلك كله مالم ينقطع لحظة واحدة منذ اليوم الأول الذي واجههم الإسلام في المدينة حتى اللحظة الحاضرة!.ولسنا هنا في مجال عرض هذا التاريخ الطويل، ولكننا سنشير فقط إلى قليل من كثير من تلك الحرب المسعورة التي شنها اليهود على الإسلام وأهله على مدار التاريخ..لقد استقبل اليهود رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ودينه في المدينة شر ما يستقبل أهل دين سماوي رسولا يعرفون صدقه، ودينا يعرفون أنه الحق..استقبلوه بالدسائس والأكاذيب والشبهات والفتن يلقونها في الصف المسلم في المدينة بكافة الطرق الملتوية الماكرة التي يتقنها اليهود.. شككوا في رسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهم يعرفونه، واحتضنوا المنافقين وأمدوهم بالشبهات التي ينشرونها في الجو، وبالتهم والأكاذيب. وما فعلوه في حادث تحويل الكعبة، وما فعلوه في حادث الإفك، وما فعلوه في كل مناسبة ليس إلا نماذج من هذا الكيد اللئيم.. وفي مثل هذه الأفاعيل كان يتنزل القرآن الكريم، وسورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والحشر والأحزاب والتوبة وغيرها تضمنت من هذا الكثير..{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.. [البقرة: 89-90] {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.. [سورة البقرة: 101].{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.. [سورة البقرة: 142].{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 70-71].{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة آل عمران: 72].{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 78].{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة آل عمران: 98-99].{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَات..} [سورة النساء: 153]. {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.. [سورة التوبة: 32].كذلك شهد التاريخ نقض اليهود لعهودهم مرة بعد مرة وتحرشهم بالمسلمين، مما أدى إلى وقائع بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر. كما شهد تأليب اليهود للمشركين في الأحزاب مما هو معروف مشهور. ثم تابع اليهود كيدهم للإسلام وأهله منذ ذلك التاريخ.. كانوا عناصر أساسية في إثارة الفتنة الكبرى التي قتل فيها الخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وانتثر بعدها شمل التجمع الإسلامي إلى حد كبير.. وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بين علي – رضي الله عنه – ومعاوية.. وقادوا حملة الوضع في الحديث والسيرة وروايات التفسير.. وكانوا من الممهدين لحملة التتار على بغداد وتقويض الخلافة الإسلامية.. فأما في التاريخ الحديث فهم وراء كل كارثة حلت بالمسلمين في كل مكان على وجه الأرض، وهم وراء كل محاولة لسحق طلائع البعث الإسلامي، وهم حماة كل وضع من الأوضاع التي تتولى هذه المحاولة في كل أرجاء العالم الإسلامي!.ذلك شأن اليهود، فأما شأن الفريق الآخر من أهل الكتاب فهو لا يقل إصرارا على العداوة والحرب من شأن اليهود!لقد كانت بين الرومان والفرس عداوات عمرها قرون.. ولكن ما إن ظهر الإسلام في الجزيرة، وأحست الكنيسة بخطورة هذا الدين الحق على ما صنعته هي بأيديها وسمته.. (المسيحية) وهو ركام من الوثنيات القديمة، والأضاليل الكنسية، متلبسا ببقايا من كلمات المسيح- عليه السلام – وتاريخه .. حتى رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم من نزاعات تاريخية قديمة، وعداوات وثارات عميقة ليواجهوا هذا الدين الجديد.ولقد أخذ الروم يتجمعون في الشمال هم وعمالهم من الغساسنة لينقضوا على هذا الدين، وذلك بعد أن قتلوا الحارث بن عمير الأزدي رسول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى عامل بصري من قبل الروم، وكان المسلمون يؤمنون الرسل ولكن النصارى غدروا برسول النبي – صلى الله عليه وسلم – وقتلوه مما جعل رسول الله يبعث بجيش الأمراء الشهداء الثلاثة زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدا لله بن رواحه، في غزوة (مؤتة) فوجدوا تجمعا للروم تقول الروايات عنه: إنه مائة ألف من الروم ومعهم من عملائهم في الشام من القبائل العربية النصرانية مائة ألف أخرى، وكان جيش المسلمين لا يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل. وكان ذلك في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة. ثم كانت غزوة تبوك التي يدور عليها معظم سورة التوبة. ثم كان جيش أسامة بن زيد الذي أعده رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قبيل وفاته، ثم أنفذه الخليفة الراشد أبو بكر – رضي الله عنه – إلى أطراف الشام، لمواجهة تلك التجمعات الرومانية التي تستهدف القضاء على هذا الدين، ثم اشتعل مرجل الحقد الصليبي منذ موقعة اليرموك الظافرة، التي أعقبها انطلاق الإسلام لتحرير المستعمرات الإمبراطورية الرومانية في الشام ومصر وشمال أفريقية وجزر البحر الأبيض، ثم بناء القاعدة الإسلامية الوطيدة في الأندلس في النهاية. إن (الحروب الصليبية) المعروفة بهذا الاسم في التاريخ لم تكن هي وحدها التي شنتها الكنيسة على الإسلام.. لقد كانت هذه الحروب مبكرة قبل هذا الموعد بكثير .. لقد بدأت في الحقيقة منذ ذلك التاريخ البعيد .. منذ أن نسي الرومان عداوتهم مع الفرس، وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد الإسلام في جنوب الجزيرة. ثم بعد ذلك في (مؤتة) ثم فيما تلا موقعة اليرموك الظافرة.. ثم تجلت ضراوتها ووحشيتها في الأندلس عندما زحفت الصليبية على القاعدة الإسلامية في أوربا، وارتكبت من الوحشية في تعذيب ملايين المسلمين وقتلهم هناك ما لم يعرف التاريخ له نظيرا من قبل .. وكذلك تجلت في الحروب الصليبية في الشرق بمثل هذه البشاعة التي لا تتحرج ولا تتذمم، ولا تراعي في المسلمين إلا ولا ذمة.. ومما جاء في كتاب (حضارة العرب) لجوستاف لوبون وهو فرنسي مسيحي: “كان أول ما بدأ به ريكاردوس الإنجليزي أنه قتل أمام معسكر المسلمين ثلاثة آلاف أسير سلموا أنفسهم إليه، بعد أن قطع على نفسه العهد بحقن دمائهم، ثم أطلق لنفسه العنان باقتراف القتل والسلب، عن بكرة أبيهم فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقى الأربعة الآلاف الباقون في البحر منفيين من الجزيرة!، ويكفي أن نذكر ماذا وقع في قبرص، حين منع الطعام والماء عن الجهات التي يقطنها بقايا المسلمين هناك ليموتوا. أثار صلاح الدين الأيوبي النبيل الذي رحم نصارى القدس، فلم يمسهم بأذى، والذي أمد فيليب وقلب الأسد بالمرطبات والأدوية والأزواد أثناء مرضهما”.كذلك كتب كاتب مسيحي آخر اسمه (يورجا)2 يقول:”ابتدأ الصليبون سيرهم على بيت المقدس بأسوأ طالع فكان فريق من الحجاج يسفكون الدماء في القصور التي استولوا عليها. وقد أسرفوا في القسوة فكانوا يبقرون البطون، ويبحثون عن الدنانير في الأمعاء! أما صلاح الدين فلما استرد بيت المقدس بذل الأمان للصليبين، ووفى لهم بجميع عهوده، وجاد المسلمون على أعدائهم ووطؤوهم مهاد رأفتهم، حتى أن الملك العادل شقيق السلطان، أطلق ألف من الأسرى ومنّ على جميع الأرمن، وأذن للبطريرك بحمل الصليب وزينة الكنيسة، وأبيح للأميرات والملكة بزيارة أزواجهن”. ولا يتسع المجال هنا لاستعراض ذلك الخط الطويل للحروب الصليبية – على مدى التاريخ – ولكن يكفى أن نقول: إن هذه الحروب لم تضع أوزارها قط من جانب الصليبية. ويكفي أن نذكر ماذا حدث في زنجبار حديثا حيث أبيد المسلمون فيها عن جوعا وعطش، فوق ما سلط عليهم من التقتيل والتذبيح والتشريد!. ويكفي أن نذكر ما تزاوله الحبشة في أريترية وفي قلب الحبشة، وما تزاوله كينيا مع المائة ألف مسلم الذين ينتمون إلى أصل صومالي ويريدون أن ينضموا إلى قومهم المسلمين في الصومال!!، ويكفي أن نعلم ماذا تحاوله الصليبية في السودان الجنوبي!!ويكفي لتصوير نظرة الصليبيين إلى الإسلام أن ننقل فقرة من كتاب لمؤلف أوربي صدر سنة 1944 يقول فيه: “لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة ولكنا بعد اختبار لم نجد مبررا لمثل هذا الخوف.. لقد كنا نخوف من قبل بالخطر اليهودي، والخطر الأصفر، والخطر البلشفي. إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه!!، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد!!، ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا. أما الشعوب الصفراء فهنالك دول ديمقراطية كبرى تقاومها. ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته.. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي”!!… =============================1 – ذلك أن اليهود والنصارى (من أهل الذمة) كانوا ممن كاتب التتار لغزو عاصمة الخلافة والقضاء على الإسلام والمسلمين فيها، وممن دلوا على عورات المدينة وشاركوا مشاركة فعلية في هذه الكارثة، واستقبلوا التتار الوثنيين بالترحاب، ليقظوا لهم على المسلمين الذين أعطوهم ذمتهم ووفروا لهم الأمن والحياة. 2 – نقلا عن كتاب، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام للأستاذ علي منصور. 3 – من كتاب جورج براون نقلا عن كتاب: التبشير والاستعمار في البلاد العربية للدكتور مصطفى خالدي، والدكتور عمر فروخ.BSombo_Galgani

المجاعة تهدد الساحل الأفريقي

المجاعة تهدد الساحل الأفريقي
الاتحاد الأوروبي قدم 75 مليون دولار لمنطقةالساحل الأفريقي منذ 2007 (الفرنسية
قال تقرير أوروبي إنالملايين سيواجهون المجاعة في منطقة الساحل بغرب أفريقيا إذا لم يسرع العالم فيتقديم مساعدات عاجلة 
وجاء التحذير الصادرعن ذراع المساعدات الإنسانية للاتحاد الأوروبي في وقت أكدت فيه النيجر صحة تقريرحكومي توقع بأن يواجه نصف سكانها نقصا في الغذاء هذا العام بعد انخفاض إنتاجالحبوب، لكن التقرير أشار إلى أن هناك ما يكفي من المخزونات لمساعدة أولئك الأكثرحاجة
وقال بريان أو نيلالمدير الإقليمي لقسم مساعدات الاتحاد الأوروبي إن هناك أزمة بأبعاد خطيرة، مشيراإلى بوادر نقص في المواد الغذائية في النيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالي وشمالنيجيريا 
وأضاف أنه “إذا تحركنا بسرعة كافيةفلن تكون هناك مجاعة، لكن إذا لم نتحرك فإن هناك خطرا كبيرا في أن تحدث”.وطالب أو نيل بعد زيارة للمنطقة الأمم المتحدة بإظهار قيادة قوية  
وأكدت النيجر أمسالخميس أن حوالي نصف سكانها البالغ عددهم 15 مليونا قد يواجهون سوء تغذية حادا أومتوسطا هذا العام وليس هناك صورة واضحة حتى الآن عن نطاق المخاطر في كل مكان خاصةمنطقة شمال نيجيريا حيث ترتفع كثافة السكان
وكان سوء التغذية خطرامستمرا لسكان منطقة الساحل التي تقع على امتداد الطرف الجنوبي لمنطقة الصحراء، لكنبعض الخبراء يقولون إن ارتفاع حرارة الأرض أدى إلى ازدياد هذه الأمور سوءا.
وأسهم نقص سقوطالأمطار في انخفاض محصول الحبوب في نيجيريا في 2009/2010 بنسبة 26% مقارنة معالسنة السابقة. وقد ارتفعت تبعا لذلك أسعار الحبوب في بعض الأسواق المحلية إلىالضعف
ويقول أو نيل إنالنيجر تحتاج بمفردها إلى مساعدات تصل إلى 220 مليون دولار هذا العام، لكنه اعترفبصعوبة جمع المساعدات بعد الخسائر التي لحقت بهايتي جراء الزلزال المدمر الأخير
يشار إلى أن قسمالمساعدات في الاتحاد الأوروبي قدم 75 مليون دولار للمساعدة في مكافحة سوء التغذيةفي منطقة الساحل الأفريقي منذ 2007
وفي العام 2005 واجهتالنيجر نقصا حادا في الغذاء أثر على أربعة ملايين شخص، لكنها رفضت المساعداتالأجنبية ونفت أن تكون هناك مجاعة حتى لفتت التغطية الإعلامية اهتمام المجتمعالدولي
ويومأمس الخميس قالت الحكومة -التي شهدت العام الماضي تجميدا في مساعدات التنميةالخارجية بعد أن واجه الرئيس مامادو تانجي انتقادات عالمية بسبب تمديد فترةرئاسته- إن الوضع تحت السيطرة.
       المصدر:   رويترز
pullosudan@gmail.com_  bsombo

عثمان ابن فودي _الخطاب الجهادي

( 2- الخطاب الجهادي: نموذج عثمان ابن فودي (Uthman Ibn Fudi ):

ويقول الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن: أستاذ العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة[1]:
ولد عثمان ابن فودي في Gobir أحد بلاد الهوسا شمال نيجيريا في 15 من ديسمبر 1754، وكان والده فقيهًا بأمور دينه وهو ما أسهم في تكوين ابنه العلمي والفكري، وقد بدأ حياته بالدعوة في وسط بنية تحكمها العادات والتقاليد غير الإسلامية، وبعد عام 1795 اتخذت دعوة ابن فودي منحى جديدًا، حيث تجاوز مرحلة التوجيه الفردي المباشر؛ ليتناول قضايا سياسية واجتماعية أوسع نطاقًا، ثم ما لبث أن أعلن الجهاد الإسلامي عام 1804، وذلك بهدف تأسيس دولة إسلامية تقوم على تعاليم الإسلام الصحيحة وهو ما تحقق له بعد عامين حينما أسس خلافة سوكوتو Sokoto، وعلى الرغم من وفاته عام 1817 فإن دولته ازدهرت على أيدي خلفائه، كما أنه ألهم الكثير من الحركات الإسلامية الإصلاحية في غرب إفريقيا.
ومن الملاحظ أن الشيخ عثمان ابن فودي قد درس النصوص والكتابات الإسلامية الكلاسيكية في عصور النهضة التي شهدتها الحضارة الإسلامية، وهو ما أسهم في بناء نموذج مثالي لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم، وفي مقاربته للواقع الذي يعيشه المسلمون في بلاده وجد أن الهوّة واسعة بين هذا الواقع وبين المجتمع المثالي المنشود وربما يرجع ذلك إلى أمرين رئيسيين:
أولهما شيوع البدع والممارسات غير الصحيحة للإسلام. وثانيًا: عدم العدالة الاجتماعية.. لقد أضحى الإسلام في المعتقد الشعبي العام مجرد طقوس وممارسات تبعد كل البعد عن صميم الدين، فانتشرت الخرافات والبدع وانغمس كثير من المسلمين في ممارسات فاسدة وجاهلية، ولم تقتصر هذه الممارسات على المجال الخاص، أي حياة الفرد والعائلة، ولكنها امتدت لتشمل المجال العام، أي في إطار المعاملات والحياة العامة.
عندئذ كانت دعوة ابن فودي للمسلمين بضرورة الانصياع لتعاليم الإسلام الصحيحة ونبذ هذه البدع والخرافات البعيدة عن الإسلام، وكان الحل الذي اقترحه لتحقيق هذه الدعوة يتمثل في إقامة مجتمع إسلامي جديد يتفق مع النموذج الإسلامي المثالي، ومن الملفت للنظر حقًّا في فكر ابن فودي هو أنه كان يركز على البعد الاجتماعي، بمعنى أنه نظر إلى الممارسات الفاسدة وغير الصحيحة باعتبارها مفضية إلى الكفر Kufr، ورغم ذلك لم يهتم بقضية تكفير الناس، فالعقيدة Creed عنده ليست غاية في حد ذاتها وإنما الغاية هي وجود مسلم تشكله هذه العقيدة.
“For him, creed is not an end initself; the end is to create the kind of Muslim defined by thiscreed.”
لا شك أن هذا الموقف من قضية التسامح في التعامل مع المجتمع قد أعطى بعدًا إيجابيًّا بنَّاء لمفهوم الإيمان Belief والكفر، فهو يرى أن عدم الإيمان تظهره الأعمال وليس النوايا أو ما وقر في القلوب، وقد حذر مرارًا وتكرارًا من اتهام المسلمين بالكفر أو تكفير المجتمع كله، وتلك أحد الخصائص المهمة التي تميز الفكر الإصلاحي لعثمان ابن فودي والتي تميزه عن بعض الحركات الإصلاحية التي ظهرت بعد ذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين والتي نادت بجاهلية المجتمع وكفره وضرورة إقامة الدولة الإسلامية بالقوة.
وقد اهتم ابن فودي بالتعليم وأعطاه أهمية كبرى في مشروعه الإصلاحي، يعني ذلك أن العلماء الحقيقيين المعترف بهم سوف تناط بهم مهمة إعادة إصلاح النظام الاجتماعي وفرض السلوك الإسلامي القومي، وانتقد الشيخ عثمان العلماء الذين يسعون إلى مجرد الشهرة والنفوذ دون الاهتمام بقضية تعليم المسلمين صميم الدين، كما أنه انتقد العلماء الذين لا يهتمون بدراسة اللغة العربية، وكان ابن فودي ينظر إلى المعرفة العلمية من حيث وظيفتها الاجتماعية؛ وهو ما يعني رفضه وجود نخبة متميزة من علماء الدين لا يكون لديهم التزام بقضايا وهموم مجتمعاتهم.
وإذا كانت مرحلة الجهاد القولي التي بدأها الشيخ عثمان قد قامت على النصح والإرشاد ورفع المستوى التعليمي ومستوى الوعي الاجتماعي العام لدى المسلمين، فإنها ركزت على قضية المرأة وضرورة تحريرها من مظاهر الظلم والتهميش الاجتماعي الذي تعاني منه، وقد ساهمت المرأة المسلمة في حركة الإصلاح التي قادها ابن فودي، ولا شك أن هذا النموذج الإسلامي للمرأة قد مثل تحديًا كبيرًا للأفكار السائدة في المجتمع الإفريقي آنذاك.
ومن الملاحظ أن موقف ابن فودي من الصوفية قد يثير اللبس؛ نظرًا لكونه هو نفسه من الصوفية، لكنه لم يطرح الصوفية إطلاقًا باعتبارها جزءًا من مشروعه الفكري، وعندما كان يشير إلى الصوفية كان ذلك في سياق الحديث عن السلوك الإسلامي القويم للفرد ولا علاقة له إطلاقًا بالمكوّن الفكري، ولابن فودي كتابات كثيرة عن الصوفية، لكنه لم يوجه نقدًا إليها مثلما هو الحال مثلاً مع محمد بن عبد الوهاب.
وتمثلت المرحلة الأخيرة من مشروع ابن فودي الإصلاحي في إقامة الدولة الإسلامية وذلك لتحقيق المثالية الإسلامية. وتضمنت إستراتيجية التغيير المطروحة وجود برنامج سياسي واجتماعي راديكالي ليحل محل النظام القديم، وينبثق نموذج الدولة الإسلامية الجديدة من الصياغات النظرية الأولى في عصر النهضة الإسلامية، ويمكن القول إن خلافة سوكوتو تطرح هذا النموذج المثالي الذي آمن به ابن فودي. لقد بيّن الشيخ عثمان في “وثيقة أهل السودان” -التي يَعُدّها البعض مانيفستو الجهاد الإسلامي في بلاد الهوسا- أهمية النضال من أجل قيام الدولة الإسلامية؛ إذ تشير الوثيقة إلى ثلاثة مبادئ ملزمة للجماعة المسلمة:
الأمر بالمعروف.
النهي عن المنكر.
الهجرة (القتال) من أرض الكفر.
وعليه كان على الجماعة المسلمة أن تقاتل من أجل التخلص من الفساد والظلم، ولإرساء قواعد الحق والعدالة في المجتمع.


[1]صوفية إفريقيا.. من الروحانية إلى السلفية الجهادية * جزء من دراسة للدكتور حمدي عبد الرحمن بعنوان (تجديد الخطاب الإسلامي في إفريقيا:الأنماط والقضايا العامة).http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203757526008&pagename= Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout#2
bsombo

رمضان الأخير !! بقلم د. راغبالسرجاني 
كثيرًا ما تضيع منا الأيام الأولى في رمضان؛لأننا لم نحسن الاستعداد لها، فلا نشعر بقيمة الصيام، ولا بحلاوة القرآن، ولابخشوع القيام.. وهذه لحظات غالية، وأوقات فريدة ينبغي للمسلم الفاهم أو المسلمةالواعية ألاَّ يفرِّطوا فيها أبدًا. 
ويسعى الخطباء والدعاة والعلماء والمتحدثونأن يضعوا برامج في شعبان؛ لشحذ الهمم، وتنشيط الكسالى، مثل الإكثار من الصياموقراءة القرآن والقيام لدخول رمضان. وقد تعوَّدنا على هذه الأمور، فلا تضيع منادون انتباه.. وهذا -لا شك- شيء طيب.. بل رائع.. فاللاعب الذي لا يقوم بعمليةالإحماء والتدريب قبل المباراة لا يمكن أن يستمر فيها بلياقة جيدة. وهكذا أيضًاالمسلم والمسلمة الذي “يُفاجَأ” برمضان فإنه لا يُحسِن استخدام كلأوقاته، واستغلال كل لحظاته.
لكني أرى أن الأهم من ذلك، والذي قد نغفلهكثيرًا، هو الاستعداد “ذهنيًّا” لهذا الشهر الكريم.. بمعنى أن تكونمترقبًا له، منتظرًا إياه، مشتاقًا لأيامه ولياليه.. تَعُدُّ الساعات التي تفصلبينك وبينه، وتخشى كثيرًا ألاَّ تبلغه!
هذه الحالة الشعورية صعبة، ولكن الذي يصلإليها قبل رمضان يستمتع حقيقةً بهذا الشهر الكريم.. بل ويستفيد -مع المتعة- بكللحظة من لحظاته.
وقد وجدتُ أنه من أسهل الطرق للوصول إلى هذهالحالة الشعورية الفريدة أن تتخيل بقوَّة أن رمضان القادم هو رمضانك الأخير في هذهالدنيا!!
إن رسولنا الأكرم r أوصانا أن نُكثِر من ذكر الموت، فقال:”أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ[1].ولم يحدِّد لنا وردًا معينًا لتذكُّرِه، فلم يقُلْ مثلاً: تذكروه في كل يوم مرة،أو في كل أسبوع مرة، أو أكثر من ذلك أو أقل، ولكنه ترك الأمر لنا، نتفاوت فيه حسبدرجة إيماننا؛ فبينما لا يتذكر بعضُنا الموت إلا عند رؤية الموتى، أو عيادةالمرضى، أو عند المواعظ والدروس، تجد أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كانيقول: “إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَفَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ”. وقد قال هذه الكلمات الواعية تعليقًا على حديثالحبيب r: “كُنْفِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ[2].
وفي إشارة من الرسول الكريم r إلى تذكُّر الموتى كل يومين قال:”مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُلَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ[3].
رمضان الأخير مطلب نبوي
إذن افتراض أن رمضان القادم هو رمضان الأخيرافتراض واقعي جدًّا، ومحاولة الوصول إلى هذا الإحساس هو مطلب نبويٌّ، والمشاهداتالعملية تؤكِّد هذا وترسِّخه.. فكم من أصحابٍ ومعارفَ كانوا معنا في رمضان السابقوهم الآن من أصحاب القبور! والموت يأتي بغتةً، ولا يعود أحدٌ من الموت إلى الدنياأبدًا.. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُالْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَاتَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْبَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:99، 100].
فالعودة من الموت مستحيلة، وكل الذين يموتونيتمنون العودة، إنْ كان مسيئًا ليتوبَ، وإن كان مُحسِنًا ليستزيد! فماذا لو مِتنافي آخر رمضان المقبل؟! إننا -على كل الأحوال- سنتمنَّى العودة لصيام رمضان بشكلجديد، يكون أكثر نفعًا في قبورنا وآخرتنا.. فلنتخيَّلْ أننا عُدْنا إلى الحياة،وأخذنا فرصة أخيرة لتجميل حياتنا في هذا الشهر الأخير، ولتعويض ما فاتنا خلالالعمر الطويل، ولتثقيل ميزان الحسنات، ولحسن الاستعداد للقاء الملك الجبَّار.
هذا هو الشعور الذي معه ينجح إعدادنا وعملنابإذن الله في هذا الشهر الكريم.. وليس هذا تشاؤمًا كما يظنُّ البعض، بل إن هذهنظرة دافعة للعمل، ودافعة -في نفس الوقت- للبذل والتضحية والعطاء والإبداع.. ولقدحقَّق المسلمون فتوحات عسكرية كثيرة، ودانت لهم الأرض بكاملها بسبب هذه النظرةالمرتقِبة للموت، الجاهزة دومًا للقاء الله.
وما أروع الكلمات التي قالها سيف اللهالمسلول خالد بن الوليد t لزعيم الفرس هُرمز عندما وصف الجيشالإسلامي المتَّجِه إلى بلاد فارس فقال: “جئتك برجالٍ يحبون الموت كما تحبونأنتم الحياة”[4]!!
ولقد حقق هؤلاء الرجال الذين يحبون الموت كلمجدٍ، وحازوا كل شرفٍ.. ومات بعضهم شهيدًا، وعاش أكثرهم ممكَّنًا في الأرض، مالكًاللدنيا، ولكن لم تكن الدنيا أبدًا في قلوبهم.. كيف وهم يوقنون أن الموت سيكون غدًاأو بعد غدٍ؟!
أعمال رمضان الأخير
والآن ماذا أفعل لو أني أعلم أن هذا هورمضاني الأخير؟!
لو أني أعلم ذلك ما أضعتُ فريضة فرضها اللهعليَّ أبدًا، بل ولاجْتهدتُ في تجميلها وتحسينها، فلا أصلي صلواتي إلا في المسجد،ولا ينطلق ذهني هنا وهناك أثناء الصلاة، بل أخشع فيها تمام الخشوع، ولا أنقرها نقرالغراب، بل أطوِّل فيها، بل أستمتع بها.. قال رسول الله r: “وَجُعِلَتْقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ[5].
ولو أني أعلم أن هذا هو”رمضاني الأخير” لحرصت على الحفاظ على صيامي من أن يُنقصِه شيءٌ؛ فرُبَّصائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. بل أحتسب كل لحظة من لحظاته في سبيلالله، فأنا أجاهد نفسي والشيطان والدنيا بهذا الصيام.. قال رسول الله r: “مَنْصَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[6].
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير، لحرصتعلى صلاة القيام في مسجد يمتِّعني فيه القارئ بآيات الله U، فيتجول بين صفحات المصحف من أوَّله إلىآخره.. وأنا أتدبَّرُ معه وأتفهَّم.. بل إنني أعود بعد صلاة القيام الطويلةإلى بيتي مشتاقًا إلى كلام ربي، فأفتح المصحف وأستزيد، وأصلي التهجد وأستزيد، وبينالفجر والشروق أستزيد.. إنه كلام ربي.. وكان عكرمة بن أبي جهل t يفتح المصحف ويضعه فوق عينيه ويبكي،ويقول: “كلام ربي.. كلام ربي”[7].
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير ماتجرأت على معصية، ولا فتحت الجرائد والمجلات أبحث ملهوفًا عن مواعيد التمثيلياتوالأفلام والبرامج الساقطة.. إن لحظات العمر صارت معدودة، وليس معقولاً أن أدمِّرما أبني، وأن أحطم ما أشيد.. هذا صرحي الضخم الذي بنيته في رمضان من صيام وقياموقرآن وصدقة.. كيف أهدمه بنظرة حرام، أو بكلمة فاسدة، أو بضحكة ماجنة؟!
إنني في رمضان الأخير لا أقبل بوقت ضائع، ولابنوم طويل، فكيف أقبل بلحظات معاصي وذنوب، وخطايا وآثام؟! إن هذا ليس من العقل فيشيء. 
ولو أني أعلم أن هذا هو رمضاني الأخير ماكنزتُ المال لنفسي أو لورثتي، بل نظرت إلى ما ينفعني عند ربي، ولبحثت بكل طاقتي عنفقيرٍ محتاج، أو طالب علم مسكين، أو شاب يطلب العفاف ولا يستطيعه، أو مسلمٍ فيضائقة، أو غير ذلك من أصناف المحتاجين والملهوفين.. ولوقفت إلى جوار هؤلاء بماليولو كان قليلاً، فهذا هو الذي يبقى لي، أما الذي أحتفظ به فهو الذي يفنى!
رمضان وأمتنا الجريحة
ولو أني أعلم أن هذا رمضاني الأخير ما نسيتأُمَّتي؛ فجراحها كثيرة، وأزماتها عديدة، وكيف أقابل ربي ولست مهمومًا بأمتي؟!فلسطين محاصَرة.. والعراق محتلَّة.. وأفغانستان كذلك.. واضطهاد في الشيشان، وبطشفي كشمير، وتفتيت في السودان، وتدمير في الصومال.. ووحوش الأرض تنهش المسلمين..والمسلمون في غفلة! 
ماذا سأقول لربي وأنا أقابله غدًا؟! 
هل ينفع عندها عذرٌ أنني كنت مشغولاً بمتابعةمباراة رياضية، أو مهمومًا بأخبار فنية، أو حتى مشغولاًَ بنفسي وأسرتي؟! 
أين شعور الأمة الواحدة؟! 
هل أتداعى بالحُمَّى والسهر لما يحدث من جراحللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟! وحتى -والله- لو كنت مشغولاً بصلاتي وقيامي،هل يَقبل ربي عذري أنني نسيت رجالاً تُقتَّل، ونساءً تُغتَصب، وأطفالاً تُشرَّد،وديارًا تُدمَّر، وأراضي تُجرَّف، وحُرمات تُنتَهك؟! 
رمضان وفقه الرسول
لقد أفطر رسول الله r وأمر المسلمين بالفطر وهم يتَّجِهونإلى مكة ليفتحوها بعد خيانة قريش وبني بكر.. إن الصيام يُؤخَّر، والجهاد لا يُؤخَّر..ليسهذا فقهي أو فقهك، إنما هو فقه رسول الله. هكذا كان يجب أن يكون رمضانيالأخير، بل هكذا يجب أن يكون عمري كله.. وماذا لو عشت بعد رمضان؟! هل أقبل أنيراني الله في شوال أو رجب لاهيًا ضائعًا تافهًا؟!
وما أروع الوصية التي أوصى بها أبو بكرالصديق t أبا عبيدة بنالجراح t وهو يودِّعه فيرحلته الجهادية إلى الشام.. قال أبو بكر: “يا أبا عبيدة، اعمل صالحًا، وعشمجاهدًا، ولتتوفَّ شهيدًا”[8].
يا الله! ما أعظمها من وصية! وما أعمقه منفهم! 
فلا يكفي العمل الصالح بلاحرص على ذروة سنام الإسلام.. الجهاد في سبيل الله.. في كل ميادين الحياة.. جهادفي المعركة مع أعداء المسلمين.. وجهاد باللسان مع سلطان جائر.. وجهاد بالقرآن معأصحابٍ الشبهات.. وجهاد بالدعوة مع الغافلين عن دين الله.. وجهاد للنفس والهوىوالشيطان.. وجهاد على الطاعة والعبادة، وجهاد عن المعصية والشهوة.إنها حياةالمجاهد.. وشتَّان بين من جاهد لحظة ولحظتين، وبين من عاش حياته مجاهدًا! ثمإنه لا يكفي الجهاد!!بل علينا بالموت شهداء! 
وكيف نموت شهداء ونحن لانختار موعد موتتنا، ولا مكانها، ولا طريقتها؟!إننا لا نحتاج إلى كثير كلام لشرحهذا المعنى الدقيق، بل يكفي أن نشير إلى حديث رسول الله r ليتضح المقصود.. قال: “مَنْسَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَالشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ[9].
ولتلحظْ -أخي المسلم،وأختي المسلمة- كلمة “بصدق” التي ذكرها الرسول العظيم ..فالله مطَّلعٌ على قلوبنا، مُدرِك لنيَّاتنا، عليمٌ بأحوالنا. 
أمتي الحبيبة..ليست النائحةكالثكلى! 
إننا في رمضاننا الأخيرلا نتكلف الطاعة، بل نعلم أن طاعة الرحمن هي سبيلنا إلى الجنة، وأنالله  لا تنفعه طاعة، ولا تضرُّه معصية، وأننا نحن المستفيدون من عملناوجهادنا وشهادتنا.
فيا أمتي، العملَالعملَ.. والجهادَ الجهاد.. والصدقَ الصدق؛ فما بقي من عمر الدنيا أقل مما ذهبمنها، والكيِّس ما دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
وأسأل الله أن يُعِزَّالإسلام والمسلمين.
د. راغبالسرجاني
[1] رواهالنسائي (1824)، والترمذي (2307)، وابن ماجه (4258)، وأحمد (7912)، وقال الألباني:صحيح. انظر حديث رقم (1210) في صحيح الجامع.
[2] البخاري:كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كن في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل” (6053).
[3] البخاري:كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم “وصية الرجل مكتوبةعنده” (2587)، ومسلم: كتاب الوصية (1627).
[4] ابنالجوزي: المنتظم في التاريخ 4/101، الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/554.
[5] رواهالنسائي (3939)، وأحمد (14069)، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (3124) فيصحيح الجامع.
[6] البخاري:كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان (38)، ومسلم: كتاب صلاةالمسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (760).
[7] الخطيبالبغدادي: تاريخ بغداد 10/320.
[8] أبوالربيع الكلاعي: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 3/118.
[9] مسلم:كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى (1909)، والنسائي(3162)، وابن ماجه (2797).